شكوى من سيِّدة أوغاريتية إلى أخيها – KTU 2.87

عمر حكمت الخولي

عثرت البعثات الأثرية في أوغاريت على عشرات المراسلات المدوَّنة باللغة الأوغاريتية، منها رسائل ملكية أو إدارية وتجارية، فضلاً عن المراسلات بين عامة الناس،1 ومنها الرقيم (KTU 2.87) الذي عُثر عليه في منزل رجل اسمه “أورتين”2 كان يتمتع بمكانة مرموقة في المملكة.3

على الرغم من اختلاف الباحثين حول مركزه وطبيعة عمله، إلا أن العدد الكبير من الرُّقُم المسمارية التي عُثر عليها في مكتبته، والذي بلغ أكثر من 600 رقيم،4 يشير إلى ثراء “أورتين” ومركزه الرفيع في البلاط الملكي. كما أن طبيعة النصوص نفسها توحي بمكانته بين نبلاء المملكة؛ إذ عُثر في بيته على رسائل موجهة إليه من الملك ومسؤولي القصر، فضلاً عن رسائل سرية من ملكة أوغاريت وحاشيتها، كما تضمنت مكتبته نصوصاً ملكية من عصور سبقت عصره.5

يبرز هذا الرقيم من بين الرسائل الأوغاريتية لكونه يتضمَّن شكوى من سيدة أوغاريتية تُدعى “أبنيا” لأخيها “أورتين” بشأن إهمال الأسرة لها وحرمانها من حصَّتها من ذبائح شهر خيَّار (ربَّما أيَّار) الذي يعتقد عدد من الباحثين أنه أول أشهر السنة الأوغاريتية، وربما كانت تُقام الأعياد فيه وتُقدَّمُ الذبائح والأضاحي.

فيما يلي، أقدِّم ترجمتي للوجه الأمامي من اللوح؛ تلي الترجمة قراءتي للنص باللفظ الأوغاريتي ثم النص بالأبجدية الأوغاريتية؛ يليها تحليل لغوي للنص، وأخيراً ملاحظات حول النص (يمكن النقر على عنوان القسم للانتقال إليه).

ترجمة النقش:

رسالةٌ أبنيا
إلى أورتثبَ أورتينَ أخي، قُلْ:
هَأنذا، بيَدِ دانئيل، أعطيتُ
كعكتَينِ من التمرِ، وثلاثَ [قطعٍ من لحمِ] البعيرِ المقدَّدِ
وأربعَ أواني [خمر].
وقلبُ أُختِكَ مريضٌ
لأنني أُضطهَدُ ولا أُسألُ6 [عن حالي]
وفي [شهرِ] خيَّارَ لم يسألْني أحدٌ [عن حالي]
وذبحوا ثوراً سميناً ولم يعطني أحدٌ [منه شيئاً]
[أقسمُ] بحياةِ نفسكَ وحياةِ نفسي
أنَّ أحداً لم يعطني [منه شيئاً].
وقلبي مرِضَ جدَّاً [لهذا السبب].

قراءتي للنص الأوغاريتي

(1)تَحْمُ أبنيَ
(2)لؤرتثبِ ِؤُِرْتِنِ(3)أخي رُجُمْ
هَلَنِيَ (4)بِدِ [د]نئلَ يتنتُ
(5)ئِشْفَرِمِ وثَلَثَ (6)عِرِمَلَحَتِ
وأرْبَعَ سَفِّمَ
(7)ولِبُ أخَتِكَ مَرُصَ
(8)كي خَبَتُ ولَ ؤُشألُ
(9)وكي بخيَّرِ كِ ئِنُ دُ شئِلنِ
(10)وطُبَخَ أَلِفُ مَرِؤُ
(11)وئِنُ دُ يَتَنَ لي
(12)حَيْ نفشِكَ وحَيْ نفشيَ
(13)هِمْ ئِثُ دُ يَتَنَ لي
(14)ومَرُصَ لِبِّيَ (15)مِئِدَ

النص بالأبجدية الأوغاريتية

𐎚𐎈𐎎𐎟𐎀𐎁𐎐𐎊
𐎍𐎟𐎜𐎗𐎚𐎘𐎁𐎟𐎜𐎗𐎚𐎐𐎟𐎀𐎃𐎊𐎟𐎗𐎂𐎎
𐎅𐎍𐎐𐎊𐎟𐎁𐎄𐎐𐎛𐎍𐎟𐎊𐎚𐎐𐎚
𐎛𐎌𐎔𐎗𐎎𐎟𐎆𐎘𐎍𐎘𐎟𐎓𐎗𐎎𐎍𐎈𐎚
𐎆𐎀𐎗𐎁𐎓𐎟𐎒𐎔𐎎
𐎆𐎍𐎁𐎟𐎀𐎃𐎚𐎋𐎟𐎎𐎗𐎕
𐎋𐎊𐎟𐎃𐎁𐎚𐎟𐎆𐎍𐎟𐎜𐎌𐎀𐎍
𐎆𐎋𐎊𐎟𐎁𐎃𐎊𐎗𐎟𐎋𐎟𐎛𐎐𐎟𐎄𐎌𐎛𐎍𐎐
𐎆𐎉𐎁𐎃𐎟𐎀𐎍𐎔𐎟𐎎𐎗𐎜𐎟
𐎆𐎛𐎐 𐎄𐎟𐎊𐎚𐎐𐎟𐎍𐎊
𐎈𐎐𐎔𐎌𐎋𐎟𐎆𐎈𐎐𐎔𐎌𐎊
𐎅𐎎𐎟𐎛𐎘𐎟𐎄 𐎊𐎚𐎐 𐎍𐎊
𐎆𐎎𐎗𐎕𐎟𐎍𐎁𐎊𐎟𐎎𐎛𐎄

تحليل لغوي

تحم: رسالة، أمر؛ وهي كلمة أوغاريتية خالصة لم نجد لها مقابلاً في اللغات السامية الأخرى.

رُجُمْ: صيغة الأمر للفعل الماضي رَجَمَ: قال، تكلَّم، أجاب؛ ومنها في العربية الترجمة والترجمان.

هلني: حرف تنبيه أوغاريتي، يقابله في العبرية التوراتية הא (ها) وהנני (هِنِّيني)، وفي العربية ها: حرف تنبيه، كما في قولنا ها هو، وهَأنذا.

يتن: أعطى، وهب، سلَّم؛ ويقابله في العبرية التوراتية נתן (نَتَن) بالمعنى نفسه.

إشفر: كعك التمر، وتقابلها في العبرية التوراتية אשפר (إشْفَر) بالمعنى نفسه.

 عرملحت: تتجاهل البحوث ترجمة هذه الكلمة، وتكتفي بتدوينها بلفظها الأصلي. تبدو الكلمة منحوتةً من كلمتين، ويمكننا قراءتها قراءاتٍ متعددة، مثل عرم لحت باعتبار الميم حرفاً أصلياً من كلمة عرم التي تعني العاري، أو عرم لحت باعتبار الميم حرف الجمع لكلمة عر التي تعني البعير، كما يمكننا قراءتها عر ملحت التي تعني حرفياً بعيراً أو حماراً مالحاً، وقد اخترت هذه القراءة، ومنها ترجمة “لحم البعير المقدَّد”. تجدر الإشارة إلى أن النصوص الأوغاريتية تزخر بذكر البعير في معرض تطرقها إلى الذبائح الدينية.

سَف: إناء، وعاء؛ وتقابلها في العبرية التوراتية סף (سَف) بالمعنى نفسه.

لب: اللبُّ، القلبُ؛ ويقابله في العبرية التوراتية לב/לבב (لِب/لِبَب) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية لبُّ كلِّ شيء ولُبابُه: خالصه وخياره، واللبُّ الجوف، ولبُّ النخلة: قلبُها.

مرص: مرض، سقم؛ ويقابله في العبرية التوراتية מרץ (مَرَص) بالمعنى نفسه. استخدمت السيدة “أبنيا” تعبير “مرض قلبي” للدلالة على شدة حزنها.

كي: كَي/لكي، لأنَّ، بسبب؛ ويقابله في العبرية التوراتية כי (كِي) بالمعنى نفسه.

خبت: فعل بمعنى اضطهدَ، أجبر، أساء المعاملة؛ ويقابله في الأكادية ḫabātum (خبَاتوم) بمعنى الاضطهاد؛ ولا مقابل له في العبرية والعربية.

ؤشأل: صيغة المضارع المبني للمجهول للفعل الماضي شأل: سأل، طلب، تضرَّع (في الصلاة)، ويقابله في العبرية التوراتية שאל (شَأَل) بالمعنى نفسه.

دُ: الاسم الموصول في الأوغاريتية، ويعني الذي؛ ويقابله في العبرية التوراتية זה (زِه) الذي يحمل المعنى نفسه؛ وفي العربية يقابله ذو/ذا/ذي.

طبخ: ذبح، قدَّم أضحية؛ ويقابله في العبرية التوراتية טבח (طَبَح) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية طبخ: أنضج اللحم وغيره اشتواءً واقتداراً.

ألف: ثور، عجل؛ ويقابله في العبرية التوراتية אלף (أَلِف) بالمعنى نفسه. تجدر الإشارة إلى أن حرف الألف في اللغات السامية قد استلهم اسمه ورسمه الأول من الثور.

مرؤ: سمين، مُسمَّن (للحيوانات المدجنة)؛ ويقابله في العبرية التوراتية מריא (مريء) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية مرِئتُ الطعام واستمرأتُه: هنئتُ به، ومرَأتُ: طَعِمتُ. 

ئن (إين): أداة لغوية في الأوغاريتية والعبرية (אין = إين) تفيد معنى العدم، بمعنى لا يوجد؛ تقابلها في الآرامية القديمة ليت، وفي الآرامية المندائية ليث؛ وفي العربية ليسَ: حرف استثناء وحرف جحود، أصلها لا أيسَ، ودليل ذلك قول العرب ائتِني به من حيثُ أيسَ وليسَ، أي من حيث هو وليسَ هو، وقد طُرحت الهمزة وأُلزقت اللام بالياء. ومعنى لا أيسَ: لا وُجِدَ.

نفش: نَفَس، نَفْس، رُوح؛ تقابلها في العبرية التوراتية נפש (نِفِش) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية النفس: الروح. 

ئث (إيث): أداة لغوية في الأوغاريتية تفيد معنى الكينونة والوجود؛ تقابلها في العبرية التوراتية יש (يِشْ) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية أيْسَ: معناها كمعنى حيثُ، أي الكينونة والوجود، وعكسها ليْسَ. وتجدر الإشارة إلى عبارة الفيلسوف الكندي في وصفه لله: “مؤيِّسُ الأيساتِ عن ليسَ”، أي خالق الموجودات من العدم.

مئد: كثيراً، جدَّاً؛ ويقابله في العبرية التوراتية מאד (مِئود) بالمعنى نفسه؛ وفي العربية مأد العودُ يمأدُ مأداً: إذا امتلأ من الريّ.

ملاحظات حول النص

تتميز هذه الرسالة الأوغاريتية بعدد من السمات؛ فعلى عكس غالبية المراسلات التي عُثر عليها في رأس شمرا، تخلو هذه الرسالة من المقدمة والديباجة التي يستهل بها المرسِل خطابَه، والتي تتضمن “كليشيهات” جاهزة تتكرر دون تغيير يُذكر، مثل عبارة “فلتسلم، ولتحرسك الآلهة وتسلِّمك” التي تتصدر الرسائل دائماً بعد التعريف بالمرسِل والمرسَل إليه. ويمكن أن نعزو غياب هذه الديباجة إلى الحالة النفسية للسيدة “أبنيا”، والتي تتضح في متن النص الذي تشكو فيه حالَها لأخيها، فلربما أرادت إظهار غضبها من خلال تجنُّب استخدام عبارات التودُّد وتمنيات الخير والسلام. 

كما سبق أن ذكرت، عُثر على هذا الرقيم في بيت “أورتين” الذي يبدو واضحاً من محتوياته أنه كان يتمتع وأسرته بالثراء والمكانة الاجتماعية. كما أن قائمة البضائع/الهدايا التي يعددها النص، والتي أرسلتها “أبنيا” لأخيها، تشير إلى أنها لم تكن ضعيفة الحال، ولم يكن تطرُّقها في الرسالة إلى ذبح الثور في شهر خيَّار وحرمانها من بعضه لقِلَّةٍ تُعاني منها، بل لتبيِّن لأخيها إهمال الأسرة لها وتوضيح الظلم الواقع عليها.

عمدت في هذا البحث إلى ترجمة الوجه الأول من الرسالة الطويلة، والتي تعود فيها “أبنيا” في الوجه الخلفي إلى تكرار شكواها والتأكيد على “مرض قلبها” وحزنها. كما تتطرق إلى شؤون تجارية تربطها بأخيها، حيث تذكر مجموعة من البضائع التي تشمل الملابس والصوف المصبوغ والخمر.


  1. Bordreuil, P., & Pardee, D. (2009). A Manual of Ugaritic. Eisenbrauns, p. 9. ↩︎
  2. دُوِّن الاسم في الألواح الأوغاريتية 𐎜𐎗𐎚𐎐 (ؤرتن)، وهو كغيره من الأسماء في اللغة الأوغاريتية، تتغير حركة آخره بحسب إعرابه وموقعه من الجملة، إلا أن الباحثين درجوا على لفظ اسمه “أورتينُ / أورتينو” أي في حالة الرفع. ↩︎
  3. Pardee, D., & Lewis, T. J. (2002). Ritual and Cult at Ugarit. Society of Biblical Literature, p. 86. ↩︎
  4. Bordreuil, P., & Pardee, D. (2009). A Manual of Ugaritic. Eisenbrauns, p. 7. ↩︎
  5. المرجع السابق. ↩︎
  6. في كتابه A Manual of Ugaritic، يُترجم دينيس باردي كلمتي “ؤُشأل” و”شئلني” إلى “أُستشارُ” و”استشارني”، إلا أنني أعتقد أن هذا المعنى بعيد عن روح النص وسياقه؛ على عكس المعنى المتضمن في التعبير الذي ما زال سائداً في بلاد الشام اليوم، كما في أغنية فيروز الشهيرة: “تبقى ميِّل تبقى اسْأل”. ↩︎