مدرٓش حكاية الرابي يهوشع بن لوي، أ – حكاية موسى وصاحبه الخضر

عمر حكمت الخولي

(1) حكاية الرابي يهوشع بن لوي. (2) كتاب الحكايات لسيِّدنا نسيم جؤون؛ بيت همدرش ح”ز. (3) صادف الرابي يهوشع بن لَوِي أمراً عظم عليه وخاف منه، حتى انكشف له سرّ الحقيقة وجوهر الصدق، فتبدَّدتْ شكوكه واتَّضح له الأمر، وهذا هو: صام [الرابي يهوشع بن لوي] أيَّاماً طويلة، وظلَّ صائماً ومصلِّياً لبارئه، تبارك اسمه، ليريه [النبي] إلياهو (إيليا/إلياس). وإذ بإلياهو يتراءى له ويقول: «إن كانت فيكَ رغبةٌ عندي، سأحقِّقها لكَ». فقال له الرابي يهوشع بن لوي: «أنا راغبٌ في السفر معكَ لأرى صنائعكَ التي تصنعها يداكَ في العالم، و[أريد] تعلُّم حكمةٍ عظيمةٍ منكَ». فقال له إلياهو: «لن تقدر على تحمُّل كلِّ ما ستراه من صنائعي، وستلحُّ عليَّ في طرح [الأسئلة] لتعرف أسباب صنائعي وأفعالي». قال له الرابي يهوشع بن لوي: «يا سيِّدي، لن أسأل، ولن أحاول، ولن أطرح عليك سؤالاً. [كلٌّ ما] أريده هو رؤية صنائعكَ كيف تكون، ولا أكثر». فاشترط إلياهو عليه ألَّا يطلب منه تفسيراً لصنائعه وآياته وعجائبه، وإذا ما طرح عليه أيَّ سؤالٍ لن يسافر معه بعدُ.

بعد ذلك سافر الاثنان معاً حتى وصلا إلى بيت رجلٍ مسكينٍ فقيرٍ ورثِّ [الحال]، لا يملك شيئاً إلا بقرةً واحدةً أسكنها معه في فناء البيت. كان الرجل وزوجته جالسين على باب البيت، وعندما شاهداهما مقبلين خرجا لاستقبالهما، واطمئنَّا عليهما وابتهجا بحضورهما، ثمَّ أجلسوهما في صدر البيت وقدَّما لهما طعاماً وشراباً ليأكلا ويشربا، [ومكاناً] ليناما فيه. وفي الصباح قام [إلياهو ويهوشع] لمواصلة السفر، فشرع إلياهو يصلِّي أن يميت الله البقرة، فماتت في الحال، ثمَّ انطلق الاثنان. ورأى الرابي يهوشع بن لوي ما حدث وتعجَّب من الأمر، وقال في نفسه «ألا يُشكَر هذا الفقير على احترامه وإكرامه لنا إلَّا بقتل بقرته التي لا يملك غيرها؟». ثمَّ قال لإلياهو: «يا سيِّدي، لماذا أمَتَّ بقرة الرجل هذا وقد أكرمنا؟» فأجابه إلياهو: «اذكر الشرط الذي بيني وبينكَ، أن تسكت وتصمت وتخرس. أمَّا إذا كنت ترغب في أن تفارقني، فسأجيبك». فسكت [يهوشع] ولم يسأله بعدُ. ومضى الاثنان و[سارا] طوال اليوم حتى المغرب، فدخلا إلى بيت [رجلٍ] ثريٍّ، فلم يعرهما انتباهاً ولم يتطلَّع إليهما احتراماً، فجلسا في بيته بلا أكلٍ ولا شرب. وكان للرجل الثريِّ جدارٌ سقط في بيته وتوجَّب عليه أن يُعيد بناءه، وفي الصباح صلَّى إلياهو فُبني الجدار، ثمَّ مضى الاثنان من هناك. [حينئذٍ] ازدادت الحيرة في قلب الرابي يهوشع بسبب أفعال إلياهو، لكنه كبح جماح نفسه ولم يسأله عن السبب.

ومضيا في طريقهما طوال اليوم، ووصلا في المغرب إلى كنيسٍ عظيمٍ فيه مقاعدُ من فضَّةٍ ومن ذهب، و[كان الحاضرون] يجلسون كلٌّ على كرسيٍّ بحسب مقامه ومركزه. قال واحدٌ منهم: «مَن يطعم هؤلاء المساكين هذه الليلة؟» فأجاب أحدهم قائلاً: «كثير عليهم الخبز والماء والملح الذي أتوا من أجله إلى هنا». انتظر [الاثنان] ولم يحظيا باحترام أحد، وجلسا في مكانهما حتى الصباح. وفي الصباح، قاما ليمضيا، فقال إلياهو: «[أدعو] الله أن يجعلكم جميعاً رؤوساً!»، ثمَّ مضيا وسارا طول اليوم، وكان الرابي يهوشع يزداد حيرةً، لكنه خشي أن يسأل. ثمَّ وصلا إلى مدينة والشمس توشك على الغروب، فرآهما سادة المدينة وخرجوا لقراهما بقلبٍ طيِّبٍ وبسعادةٍ عظيمة، واستقبلوهما ببشاشةٍ وصدرٍ رحب، وفرحوا بهما وأجلسوهما في أفضل بيوتهم، في بيت كبيرهم. ثمَّ أكلا وشربا وناما و[حظيا] باحترامٍ كبير. وفي الصباح صلَّى إلياهو وقال: «[أدعو] القدُّوس مباركٌ هو ألا يجعل عليكم إلا رأساً واحداً». وحين سمع الرابي يهوشع كلامه، لم يعد يقدر على السكوت والصمت على كلِّ الصنائع التي صنعها إلياهو، فقال له: «الآن أنبئني بأسرار [صنائعكَ]». قال له إلياهو: «في قلبكَ الآن أن تفارقني، لذا سأفسِّر لكَ كلَّ [شيءٍ] وأنبئكَ بأسرار الأمور وأسباب الصنائع التي رأيتَ.

أمَّا الرجل الذي قتلتُ بقرته، فقد كان مكتوباً عليه أن تموت امرأته في اليوم نفسه، لذا صلَّيتُ لله أن تكون البقرة فداءً لنفس امرأته، وقد رأيتُ الخير الكبير لهذه المرأة وكم أنها مفيدة في بيته. أمَّا الرجل الثري الذي بنيتُ له الجدار، فلو أنني تركته يبنيه لانكشف له سرُّه، ولوجد فيه كنزاً كبيراً من ذهب ومن فضَّة، ولذلك بنيته له، وفي القريب سيسقط الجدار من جديد ولا يُبنى بعدُ. أمَّا الناس الذين صلَّيتُ أن يكثر رؤساؤهم ويصبحوا جميعاً رؤوساً، فهذا شرّ لهم وسببٌ في تفرقةٍ عظيمةٍ في آرائهم وأفكارهم، فإن كلَّ مقامٍ فيه رؤوسٌ كثيرةٌ يفسد ويخرب ويُدان. أمَّا الناس الذين صلَّيتُ أن تكون لهم رأسٌ واحدة، فهذا خيرٌ لهم ولمسكنهم، إذ تتوحَّد أعمالهم وآراؤهم برأيٍ واحد، وروح التفرقة لا تقربهم، ولا تختلف آراؤهم ولا تتفرَّق أفكارهم. لهذا يقول أهل الأمثال: “بكثرة الحمَّالين تغرق السفن، وعلى رأسٍ واحدةٍ تقوم المدينة”». ثمَّ أوصاه إلياهو وقال له: «هأنذا ماضٍ ومفارقكَ، لهذا سأعلِّمك شيئاً تنتفع به: إن رأيتَ شرِّيراً تضحك له ساعته، فلا تنجرّ إلى الغضب ولا تتعجَّبْ من الأمر، [فهذا الأمر فيه] شرّ له. وإن رأيتَ صدِّيقاً يتألَّم ويتصاغر طوال أيَّام حياته، فيتعب ويشقى في الجوع والظمأ والعري وافتقاره إلى كلِّ شيء، أو يلقى أنواع العذاب، فلا تحنقْ ولا تغضبْ روحك، ولا تدع قلبكَ يشكُّ في خالقكَ، بل كن مستقيماً في عقلكَ وقلبكَ لأنه صدِّيقٌ عادلُ الحُكم وعيناه [تراقبان] طرق الرجال. [ثمَّ] مَن يقول له ماذا يفعل؟».

بعد ذلك ودَّع أحدهما الآخر ومضى كلٌّ منهما في طريقه.